الثقة في الآخرين
بقلم:
د.ذمسكينوس الأزرعي
أرشمندريت الكرسي المسكوني
يعاني الكثير من الأشخاص من أزمة " الثقة في الآخرين"، ويرجع ذلك إلى أسباب تختلف من شخص لآخر، ومن أبرز تلك الأسباب مقابلة كثيرين الإحسان بالإساءة أو المعاملة السيئة التي قد يكون تعرض لها شخص من أهلهِ أو أقربائهِ أو أصدقائهِ ،أو إفشاء أحدهم أحد أسراره والكثير من الأسباب الأخرى، فينشأ عند الإنسان صراع في داخله ، قد يؤدي به إلى فقدان الثقة بالآخرين.
إنّ أساس العلاقات الإنسانية هو الإحترام المتبادل، وهذا الإحترام المتبادل يجب أن يُميّز جميع العلاقات البشرية في شتى المجالات، إذ أن الإحترام الحقيقي يُعزّز الثقة ، وكلما زاد إحترام البشر لبعضهم بعضاً زادت الثقة فيما بينهم، ولكن لا بُد أن يكون الإحترام متزامناً مع عدد من الصفات الأُخرى التي تجعل الآخرين يثقون بنا كما نثق نحن بهم، ولعلّ الصدق هو من أجمل هذهِ الصفات، فعندما تكون صادقً مع غيرك بالقول والفعل فإنّ هذا يجعلهم أكثر ثقةً بك، والأمر نفسه هو ما يهمّك للثقة بالآخرين ،وتذكر قول الكتاب المقدس
"صُنْ لِسَانَكَ عَنِ الشَّرِّ، وَشَفَتَيْكَ عَنِ التَّكَلُّمِ بِالْغِشِّ (سفر المزامير 34: 13)".
الكثير من الأشخاص يُعانون من فقدان الثقة بالآخرين كما سبق وقلنا، وهذا بسبب عدد من المواقف التي جعلتهم للأسف يفقدون الثقة حتّى من المُقرّبين منهم، فقد يُصادف الإنسان في مسيرة حياته أشخاصاً يُهيّأ له بأنهم جديرون بثقته ولكنه يكتشف لاحقاً بأن تقيمه لم يكن صحيح!.
حل وعلاج المشكلة
• يجب على الإنسان أولاً أن يضع ثقته المطلقة بالله ، ويضع نصب عينيه جميع الدروس والعِبر الموجودة في الكتاب المقدس وتقليد الكنيسة التي تؤكد لنا أنه من يتكل على الرب لا يخيب أمله أبداً. أنّ الثقة بالرب تمنحنا سلاماً وفرحاً وترفع عنا الأحزان وتطرد عنا الخوف لأنَّ المؤمن الذي يسلّم أمره ويعيش تحت سيادة الرب يكون عنده الثقة التامة واليقين بأنَّ الله لايتخلّى عنه إذ يقول الكتاب المقدس "وَيَتَّكِلُ عَلَيْكَ الْعَارِفُونَ اسْمَكَ، لأَنَّكَ لَمْ تَتْرُكْ طَالِبِيكَ يَا رَبُّ (مزمور10:9)".
• علاج مشكلة الثقة بالأخرين يكون أيضاً بالتفكير السليم وعدم تعميم تجاربنا السيئة السابقة، يجب أن نتذكر دائماً أنهُ في عالمنا سنجد الخير والشر، الصدق والكذب الخ...، ولهذا لا يجوز تعميم الشر وعدم الثقه على جميع المحيطين بنا عدا أنه لا يجب أن نكتفي برؤية الجانب المظلم من الناس ، فإنه من المستحيل أن لا يكون قد مرَّ علينا في حياتنا مواقف لأناسٍ صالحين!،ثم إننا لا نعرف الناس كلهم، فكم في العالم من أتقياء، وأنقياء وأناس موضع ثقة فلا يجب أن نجعل أحد تجاربنا السيئة ميزاناً في الحكم على الجميع .وبنفس الوقت هذا لا يغني من الحرص في التعامل مع الأشخاص الجُدد في حياتنا حتى نأخذ وقتاً كافياً لكي نضع ثقتنا بهم.
• يجب أن نُدرك أنه ليس إنسان بلا خطيئة، ولهذا يجب أن نتذكر قول الرب يسوع المسيح لليهود عندما أرادوا رجم الزانية "مَنْ كَانَ مِنْكُمْ بِلاَ خَطِيَّةٍ فَلْيَرْمِهَا أَوَّلاً بِحَجَرٍ (يو 8: 7)"،للأسف الكثير من المرات نتعامل مع الغير وكاننا معصمون عن الخطىء،فهل تظمن أنك في المستقبل لن تسقط في خطىء ربما يزعزع ثقة أحدهم بك؟ إذاً يجب أن لا نفقد ثقتنا بسرعة بل بلأحرى يجب أن نعطي دائماً فرصةً أخرى للغير، يجب أن نُعامل الناس بطريقة جيدة، ونجعل نيّتنا صالحة حتى ولو قابلونا بالإساءة، فهذا الأمر سيُخفّف كثيراً من التعب والضغط النفسي ويجعلنا سعيدين ويجب أن نتذكر دائماً قول الكتاب المقدس"أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ (إنجيل متى 5: 44)".
• إذا شعرنا أننا كنا عثرة لكي يفقد أحدهم الثقة بلأخرين يجب علينا أن نقدم الإعتذار بنية صادقة معترفين بالأذى الذي وقع على الآخر بسببنا، كلنا نخطئ، ولكن حينما نخطئ وندرك خطأنا يجب علينا المسارعة بالإعتذار، فذلك دليل الإيمان بتعاليم الرب،ودليل الشجاعة والمحبة والثقة بالنفس وقوة الشخصية والتواضع.
• لا تدع القلق الزائد عن الحد يتحكم فيك، لأن القلق كالملح قليله مفيد وضرورى، إذ يعطى للطعام طعماً ومذاقاً، بينما كثرته يفسد طعم الطعام وأنه كلما زاد القلق زاد التوتر وزاد الخوف وبالتالي قلت الثقة والعكس صحيح، كلما قل القلق كلما زادت قدرة الإنسان علي التركيز وبالتالي زادت ثقته بنفسه أولاً وكان أكثر حكمة ومنطقية في علاقتهِ مع الأخرين.
أحبائي، نحن المؤمنين يليق بنا أن نضع ثقتنا الكاملة بالرب هذه الثقة التي تكون كمثل من بنى أساس بيته على الصخرة فهو لا يخاف إذا هبت الرياح والعواصف وضربت السيول هذا البيت، فسيبقى صامداً شامخاً لأنّ أساسه قوي.
إذن هل ستضع ثقتك المطلقة بالرب؟ وهل ستيعد النظر بموضوع ثقتك المزعزعة بلآخرين؟أظن لقد حان الوقت!
© Damaskinos Alazrai 2017
عزيزي\عزيزتي،إنّني أدعو الله أن تكون كلماتي قد أفادتك. وأرحّب بأسئلتك واستفساراتك التي تُمتِّعني حقّاً
والرب يكون معكم دائماً.
إذا كنت تحتاج للمشورة تواصل معنا عبر (البريد الأكتروني المؤقت) لمكتب خدمة المشورة والأرشاد الروحي:
Damaskinosalazrai@yahoo.gr