الحلقة الأولى بسم الله الرحمن الرحيم {إنّا أنزلناهُ قرآنا عربياً لعلّكم تعقلون} أما بعد ... ● هناك عدة طرق لدراسة علم العَروض، وهناك مصطلحات كثيرة تستطيع أن تستغني عنها، فشعرك ليس بحاجة إليها.. علمُ العروضِ طويلٌ ومعقَّدٌ لو سلكنا به دربَ المصطلحات والأسماء الطويلة لذا ما يهمُّ الشاعر سلامة شعره من الكسور العروضية وهناك فرق بين طالب العروض لأغراضِ شعره وعالم العروض لدراسته وتدريسه ولهذا سنبتعد عن الطرق الوعرة التي يصعب على الكثير استيعابها، وبالتالي لو درستَ الطريقتين لما تغير في شعركَ شيءٌ أبدًا وسنبحر معًا بطريقة سلسة واضحة تغنيك الرجوع إلى بعض الكتب المعقدة وعن طريق عدة دروس ربما تطول أو تقصر ● " الخليل بن أحمد الفراهيدي " هو مكتشف علم العروض وواضع ترتيباته من دقات المطارق في سوق الصفارين "النحاسين" وضمنَ للشعر السلامة والبقاء على طول الزمان حيث ردَّ به على الشعوبيين والحاقدين الذين اتهموا الشعر العربي بأن ليس له قواعد تضبطه وأصول تسنده. - فكان ذات ليلة من ليالي الشتاء مع صاحبه أبي المعلّأ يتباحثان مع قومٍ من الأعاجم في أمور الشعر العربي وغيره من الأشعار فقال الأعاجم: "إنَّ الشعر العربي لا ضابط له ولا أصل مع أن شعر اللغات الأخرى عكس ذلك، قد اتضحت أصوله وعرفت مقاييسه ولا سبيل للخروج عليه" فردَّ أحد أبناء العرب قائلًا: "إنَّ الشعر أصله الطبع ومقياسه الأذن" فقال الأعجمي: ما قولك إذا فسد الطبع واختلَّ مقياس الأذن، ماذا يحصل بالشعر يومئذٍ؟ فأجابه العربي بما لم يقنع المخالف ثم أضاف: وكنت أزن القولين فأجد الأعجمي مصيبًا فيما يقول، وكنت أقيس أمر الشعر إلى أمر اللغة والنحو وسوف يكون من أمر الشعر العربي في يد الأعاجم ما كان من أمر اللغة العربية عندهم، فقد أخطؤوا فيها ولحنوا، واضطربت على ألسنتهم حتى تصدى لها النحاةُ فوضعوا قواعد للأعاجم ضبطوا بها أخطاءهم، وهذا الشعر أصبح اليوم أداة يستعملونها، فيخطئون في أوزانه، ويضطربون في تعديله ومنذ ذلك اليوم وأنا لا أفتأُ أفكر في هذا الأمر - وهكذا لازم الخليل سوق الصفارين يسمع رنات مطارقهم على النحاس فيميز هذه الرنات وكان بعدها يذهب إلى أبي رافع شيخ المغنيين في عصره فيسأله عن قواعد علم الموسيقا فيجيبه أبو رافع: وهل الموسيقا نحو له قواعده وأصوله، أنت تقصد أمرا لا وجود له؟!! وما أن تمَّ للخليل هذا العلم حتى راح يتأكد من نغماته الموسيقية ومقاطعه العروضية فأدخل رأسه في بئر في داره ... وبدأ يصيح بأعلى صوته مردِّدًا قواعده على مقاطع الشعر ومقاطع الشعر تظهر واضحة في الصدى الذي تحدثهُ البئر وكان لدى الفراهيدي ولدٌ أحمق عندما رأى والده على هذه الحال بدأ يبكي ويصرخ: جُنَّ أبي ... جُنَّ أبي وخرج من الدار وهو يتابع صراخه ويقول: جُنَّ أبي .... جُنَّ أبي فاجتمع الناس حول الصبي ثم اتبعوه إلى الدار فرأوا من حال الخليل ما رأوا، والخليل لا يدري ما يدور من حوله فتقدّم إليه أحدهم وهو يقول: يا أبا عبد الرحمن اصحُ إلى نفسك وأخرج رأسك من البئر وأخبرنا عما يدعيه ابنك فأخبرهم بما انتهى إليه من ابتداع علم يحفظ للشعر العربي سلامته ثم التفت إلى ابنه بأسف وخاطبهُ قائلا: لو كنتَ تعلمُ ما أقولُ عذرتني أو كنتَ تعلمُ ما تقولُ عذلتُكا لكنْ جهلتَ مقالتي فعذلتني وعلمتُ أنّكَ جاهلٌ فعذرتُكا وفي يوم تاريخي مشهود هرع العالمون والمتعلمون إلى المسجد وخطبهم الفراهيدي قائلا: "لقد كشفتُ عن سر الشعر العربي وضبطه، فلن يقع فيه خللٌ بعد اليوم، وهؤلاء المولدون الذين أطلقوا أنفسهم لقول الشعر ليس عندهم من الطبع العربي والأذن العربية ما يخولهم الصحة، لن يستطيعوا بعد اليوم أن ينقضوا ميزان الشعر العربي، وأن يدعوا أنه ليس له ضابط ... أيها الناس لن يستطيع إنسان بعد اليوم أن يقول غير الشعر، فيدّعي أنه شعر ... أيها الناس لقد برهنتُ أن العرب الذين ينسب إليهم الشعوبيون الجهل والخلل، يتكلمون عن سجية لها أصولها المضبوطة، لا يخرجون عنها ولا يحيدون ألا يا أيها العرب !! اعتزوا بشعركم وفاخروا الأمم بموسيقاه وحسن ضبطه". اقتباس