(( المســـــتنقع ))
قصة قصيرة
بقلم / د. سليم عوض عيشان ( علاونه )
=================
تنويه :
النص مغرق في الفلسفة ...
مقدمة :
.. قد يكون " المستنقع " هو .. " النفس البشرية " .. المهيضة .
أو لعله ما تعانيه " الأمة العربية " التليدة .
أو لعله ما تعانيه " الضمائر العالمية " .. المريضة .
( الكاتب )
--------------------
(( المســـــتنقع ))
.. لم يأبه كثيراً بالرذاذ المتساقط من حوله ، وضع كلتا يديه في جيوب معطفه الثقيل ، سار بتمهل حاول أن يغني لحناً ما ، لم تسعفه الذاكرة ، غض النظر عن الفكرة .
الرذاذ تحول إلى مطر هادئ ، كسيمفونية قديمة ، حاول أن يتذكر مطلعها .. نهايتها فلم يوفق إلى ذلك , هز برأسه ، سقطت القبعة إلى الأرض ، نظر نحوها باشمئزاز ، طوح بها بركلة قوية من قدمه اليسرى ، سقط على إثرها إلى الأرض ، نهض بتثاقل ، ابتسم كالأبله ، ضحك .. عبس .. نفض التراب عن معطفه الثقيل .
المطر الهادئ تحول إلى عاصفة هوجاء صاخبة ، ذكره المشهد بمقطوعة موسيقية لم يدرِ أين سمعها ؟! ، وقف قليلاً تحت المطر المنهمر ، راح يتمايل مع اللحن الصاخب المنبعث من داخل نفسه ، الممتزج بلحن المطر العاصف ، أخرج يديه من جيوب معطفه ، قفز في الهواء ، سقط نحو الأرض بشدة ، نهض ، نفض معطفه ، راح يرقص بنشوة تحت المطر .
بين الفينة والأخرى ، كانت الشمس تطل من بين السحب للحظات ، تمد له لسانها ، تهزأ به ، تسخر منه ، لا تلبث أن تتوارى خجلى بين الغيوم الكثيفة .
توقف عن الرقص الصاخب لحظة ، نظر نحو آخر يشبهه تماماً !! ، يتعقبه ، يقلد حركاته ، يشاركه الرقص الصاخب تحت المطر ، حاول اختباره ، طوح بيده ، راح يحركها بإيقاع ، أرقص يده رقصة هادئة .. صاخبة ، قلدته يد الآخر اليسرى بالحركة تماماً ، أوقف يده فجأة ، وقفت اليد الأخرى ، حرك قدمه اليسرى ، اليمنى ، جسده ، رأسه ، راح الآخر يقلد الحركات ، رقص " السامبا " .. " الرومبا " .. " التانجو " ، رقصة " زوربا اليوناني " ، شاركه الآخر الرقص المختلف ، قلده تماماً ، راح يدندن لحناً لم يسمعه قبلاً .
توقف لحظة عن السير ، عن الغناء ، .. " المستنقع " أمامه .. دقق النظر إليه جيداً ، راح يراقب حبات المطر وهي تصطدم بسطح المستنقع .. كان لها إيقاعاً غريباً ، رقص رقصة غريبة .. جديدة .
تذكر الآخر .. تلفت خلفه ، رآه يتعقبه ، يقلد حركاته ، رقصاته الغريبة ، أشاح بوجهه عنه ، نحو المستنقع ، حبات المطر تخف .. تزداد .. تصغر .. تكبر .. تسقط فوق سطح المستنقع ، تصنع دوائر لولبية صغيرة .. تكبر .. تكبر .. تتلاشى .
ازدادت حبات المطر حجماً ، سرعة .. قوة ، ارتفع منسوب المستنقع قليلاً .. قليلاً . خفت حبات المطر .. انخفض المستنقع قليلاً .. قليلاً . نسمات خفيفة ترافق الرذاذ المنهمر نحو المستنقع ، على وجهه ، مشاركة عجيبة .
حرك قدمه ذات الحذاء الضخم نحو المستنقع ، اختلس نظرة إلى الخلف ، رآه يتبعه .. يقلده ، أعاد بصره نحو المستنقع ، حرك قدمه الأخرى ، حركات بطيئة ، تسارعت شيئاً فشيئاً ، زادت حبات المطر من حجمها ، غاص في " المستنقع " حتى ركبتيه .. فخذيه .. صدره .. رقبته .. ذقنه .. فمه ، أحس بلزوجة مياه المستنقع ، نفر منها في البداية ، شيئاً فشيئاً استعذبها ، مد لسانه يتذوقها !! .
خفت حبات المطر ، انحسرت مياه المستنقع ، حتى ذقنه .. رقبته .. صدره .. فخذيه .. ركبتيه ، خرج من المستنقع .
تلاشت العاصفة ، تلاشى المطر .. الرذاذ ، لم ينفض مياه المستنقع عن معطفه .. عن جسده ، نظر خلفه نحو المستنقع ، لم يرَ الآخر ، المقلد الذي كان يتبعه ، كرر البحث بعينيه ، تأكد له ذلك .
حن إليه ، لحركاته المقلدة ، دقق النظر نحو المستنقع ، رآه يطفو فوق مياه المستنقع .. يغوص .. يطفو .. يغوص .. يطفو .. يـ ....