اهديها للدكتور لطفي الياسيني المناضل المجاهد وللشعب الفلسطيني البطل ولكل انسان بسيط فقير بائس وكادح عامل اني كان وفي اي زمان في وطننا العربي  /   

الكاتب محمد امين معايطة

العنقود الذهبي
____________

الكاتب : محمد امين المعايطة
______________________


انحنى زاوية فوق الرصيف ، الى جانب احجاره المدقوقة ، بازميله العنيد ، كان يجلس مكدودا بعد عناء كبير من العمل المضني المجهد الشاق ، حيث لوحت وجهه الاسمر الملفوح ، اشعة الشمس الحارقة ، فرسمت على محياه اخاديد زمنية ، تكتب تاريخا ابديا ، تعرف بفراستك من خلالها كم سنوات عمره المديد.

راقبته وانا جالس في سيارتي منتظراً قدوم صديق ، مد يده المعروقة الى الكيس ، فاخرج قطفا من العنب البلدي المكتنز بحباته الذهبية ، ورغيفين من الخبز الاسمر الشهس ، وبدأ يتناول طعام غدائه او افطاره والله اعلم في الهواء الطلق ، بلا فاتورة فرحا سعيدا بعافيته بلا خوف من دهون ثلاثية او كولسترول خطير ، يشرب بين الفينة والاخرى ، ماء قراحا من (شربة فخارية) غطاها بخيش سميك ، فهي ثلاجته المتنقلة المجانية التي تبرد بفعل الهواء ، ولا تحمله ارتفاع فاتورة الكهرباء.

فجاة سقطت حبة عنب من عنقوده الممسوك عرموشه بقوة بين اصابعه النحيلة الخشنة ، وتدحرجت على الرصيف ثم دلفت الى الشارع ، فظل يتابعها ويلاحقها بنظراته الملهوفة ، وكانه فقد شيئا غالبا عليه ، كيف لا؟ العنقود يجب ان يكفيه ، ويغمس به كأدام للرغيفين ، نعم ايها العنقود الذهبي ، فانت عزيز وغال لانك في يد رجل كادح مسن فقير سيبلل برحيقك الحلو الحلال لقمته الجافة ، فتقوى عزيمته بك ، ليواصل عمله الشريف ، واظن ذلك خيرا لك ، من ان تكون شرابا حراما تملأ معد المترعين المخمورين ، فتذهب عقولهم وتخبث نفوسهم وتجلب لهم الامراض والسوء.

نعم ايها العنقود اني اراك في قبضة الرجل الحجار ، وقد غطتك حبات الماء الطاهر من الجرة الندية ، الممزوج باشعة الشمس البهية ، نورا يشع ويتلألأ ، خاصة وانك حر ليس كعنقود العنب الاسير ، في غزة والخليل ورام الله والجليل ، يذرع من تحتك جندي صهيوني آثم غاشم ولئيم ، ارضك المقدسى جثة وذهابا ببسطار دنس وثقيل ، متغطرسا متكبرا يجرح متللذا بكل سادية خدودك الشفافة بذوؤابات حرابه الدامية الانتقامية ليسيل بعدها الدمع الهتون حبات سخية.

لقد شطحت بفكرين وانا انظر الى صاحبنا المسكين المنشغل بلقيماته وقطفه ، والذي شارف بالاتيان على نهايته ، ولم يبق له الا عرموش اجرد وبعض الحبات الصغيرة ، الذي آثر ان يأكلها بلا خبز معتبرا انها (تحلايته) بعد وجبة العام.

بوركت أيها العنقود عندما تكون طعاما وشرابا ودواء حلالا طيبا ، للناس الاتقياء الشرفاء البسطاء ، الذين يحمدون الله على نعماته وآلائه ، صباح مساء.

وحزنا واسفا عليك ، وانت لا تزال محاطا ومسيجا ببنادق وحراب لاعداء ، يعيش امثالك من العناقيد في صدور امهاتهم الدوالي المغلات واخواتهن من الاشجار الاخريات ، مقطعات الاوصال ومقتلعات بفعل جنازير الجرافات والدبابات ، محترقات بقنابل المدافع وصواريخ الطائرات ، ينتظرن اليوم الذي يجلس تحتهن اهلهن الطيبين المؤمنين ، بكل عز وفخار ، يداعبون خدودك انت وامثالك ، ويتلذذون بطعم مذاقك ونكهة عصيرك ، وانت حر بارضك وعنفوانك ومصيرك.

ترجلت من سيارتي ، وتوجهت نحو هذا العامل الشريف ، ابن وطني المجد المعطاءـ الذين ياكل بكد يمينه وعرق جبينه ، فسلمت عليه ، وشددت على يديه ، وقبلت وجنتيه ، وهو في ذهول ودهشة واستغراب ، دون ان يعرف سبب هذا السلام والتقدير والاعجاب.

الكاتب محمد امين معايطة



لا يتوفر نص بديل تلقائي.



تم عمل هذا الموقع بواسطة