(( بيوت بلا جدران ))
قصة قصيرة
بقلم / د. سليم عوض عيشان ( علاونه )
=====================
تنويه :
عفواً .. فأنا لا أقصدك .. سيدتي ؟؟!!
--------------------------------------
(( بيوت بلا جدران ))
قال محدثي :
لم أكن مغفلاً في يوم من الأيام ؛ ولم يصفني بهذه الصفة أحد ما ، كنت الرجل الحصيف المتزن .. الذي يقدر الأمور حق قدرها ، ويتأكد من موطئ قدمه قبل أن يخطو أية خطوة .
إن كان يهمك معرفة عمري ، فلتقل بأنه يزيد على الستين ببضع سنين .. حياتي تتسم بنوع من الاستقرار المادي والاجتماعي والمعنوي ، قد لا أكون أميل إلى الغنى ولكني لست فقيراً .. وقد لا أكون من الطبقة الأرستقراطية ولكني لست من الطبقة المعدمة ، قد لا أكون أميل إلى زوجتي بما نسميه الحب ولكني لا أكرهها ، وهي زوجتي على أي حال ، ويكفي لإثبات ذلك بأنها أنجبت لي من الأطفال مجموعة لا بأس بها ، وأنا لا أريد أن أذكر العدد حتى لا تفزعوا منه ، وحتى لا تحدقوا بي ببلاهة ؟! ، ولكن لمن يجيد فن الحساب فهو رقم يزيد على أصابع اليدين بقليل ؟؟!! ، أنجبتهم بالقطاعي . وبالجملة في بعض الأحيان ؟؟!!.
ليس هذا ما يهمكم وما يهمني بالطبع ، فالحياة كانت بالنسبة لي رتيبة أتقبلها مكرهاً إلى درجة الملل . كنت أفتقد في نفسي شيئاً ما لا أدرك سره ؟! .. ورغم أنني كنت أكفر بالحب ؛ إلا أنني اعتقدت جازماً بأنه ما أفتقده ؟! ، لم أحاول تجربة ذلك لأنني ملتزم ، ولأنه من وجهة نظري حرام !!.. ولأنني رجل متزوج كما يقولون ، ولي من الأطفال والأبناء ما تعلمون ، ولأنني لا أدخن السجائر مطلقاً ، فلقد اعتبرت أي هفوة تصدر مني بمثابة جريمة عظمى سيعاقبني عليها الله فوراً .
لم أدرِ كيف تعرفت عليها أو كيف تعرفت هي عليّ ؟؟!! ، ولست أدري هل كان ذلك مصادفة من تدابير القدر ، أم من تدبيرها هي ؟! .
نعم .. إن معلوماتي حول الجنس الآخر قليلة جداً إن لم تكن معدومة ، إلا أنني كنت أعرف شيئاً عنها ، وهو ليس بالنزر اليسير على كل حال .
عندما انتقلت بدوري إلى هذا الحيّ مع أسرتي بحكم ارتباطات العمل الجديد ، عرفت بأنها شابة مطلقة لا تتجاوز الثلاثين من عمرها بكثير ، على جانب كبير من الجمال والجاذبية ، تسكن في منزلها وحيدة بعد وفاة والديها وطلاقها من زوجها دون إنجاب على الإطلاق .
ولعل هذا هو ما كان سبب الفراق بينها وبين زوجها ، ويقال أيضاً ، بأنها تتمتع بنوع لا بأس به من الثراء .
لست أدري كيف عبثت بقلبي ، وأنا الذي كنت أظن بأن قلبي قَد قُد من صخر صلد ، ولست أدري كيف سيطرت على حواسي ومشاعري ، وأنا الذي كنت أظن نفسي إنساناً بلا مشاعر أو أحاسيس ، وأصبحت تسيطر عليّ بشكل غريب يصعب الخلاص منه ؟!.
خيل لي بأنها الحل المطلوب لطلاسم حياتي ، وبأنها الحلقة المفقودة من عمري ، وحسبت بأنها الجزء الضائع من سنين عمري ، والذي بحثت عنه طويلاً ، فأنا لم أجرب الحب في حياتي ، اللهم سوى حب أمي ، ولم أجرب السعادة طوال عمري ، سوى مع أطفالي ، فلما عثرت عليها اعتقدت بأنني قد وجدت ضالتي المنشودة .. وبأنني قد وجدت الحب المفقود الذي كنت أريده وأبحث عنه دوماً .
لست أدري .. أهي التي دعتني إلى زيارتها أم أنني دعوت نفسي إلى ذلك ؟! .. فلقد اختلطت الأمور عليّ بشكل عجيب وغريب ، ففي وقت قصير ، ولم يكن قد مضى على تعارفنا سوى أيام قلائل حتى كانت قد استولت عليّ بشكل تام ، فكنت أسير كالأبله ، أو كالرجل الآلي .. نحو بيت من سيطرت على قلبي ، فأطرق الباب الخارجي طرقاً خفيفاً ، فتكون هي أخف من تلك الطرقات رقة وخفة وسرعة لاستقبالي .
لن أقول بأننا تجاذبنا أطراف الحديث ؛ فهذا كان في البداية فحسب ، ولن أقول بأنني لمست يدها أو وجهها ، فلقد كان ذلك كله في المرحلة الأولى .
أهملت بيتي من أجلها ، ونسيت واجباتي نحو الله ، والمجتمع . وانغمست بحبها ولم أعد أفكر بسواها .
في لحظة من لحظات سيطرة الشيطان على الإنسان كانت تطلب مني أن أترك زوجتي .. أن أطلقها ؟؟!! لأنها لا تريد أن يكون لها شريكاً بي ؟؟!! .. لست أدري أي حمق .. أي جنون ذلك الذي أصابني حتى وجدتني أنفذ ما طلبته صاغراً ؟! .
شدهت زوجتي للأمر ، ولم تستوعب الموقف ، وظنت في البداية بأن هذا ليس سوى مجرد مزاح من النوع الخفيف ، ولعله من النوع الثقيل ، ولم تلبث أن تأكدت بأنني جادًُ في ذلك ، خاصة عندما وجدتني أقدم لها قسيمة الطلاق كحقيقة واقعة .
أغمي على المسكينة .. انهارت ، ثم نقلت إلى المستشفى ، ولم أكلف نفسي عناء زيارتها هناك ، وكأنني أزحت عن كاهلي عبئاً ثقيلاً ؟!! .
وتفرغت لمعشوقتي .. محبوبتي ، ولم يعد يهمني في الكون سواها ، ولم أعد أذكر أو أتذكر بأن لي أولاداً أو أطفال .
امتلكت مفتاح قلبها ، ومفتاح منزلها !! ، فلم يعد بي حاجة لطرق الباب كي تفتح لي ، فلقد أعطتني مفتاح الباب كي أحضر وقتما أشاء ؟؟!!.
ورغم ذلك ، فإنها كانت تخف لاستقبالي بمجرد سماعها صوت الباب الخارجي يفتح .. فتسارع لاستقبالي بترحاب عجيب ، وعناق غريب ، وتقودني نحو حجرتها المعهودة .. والتي شهدت جدرانها الوردية أنواع الحب المختلفة ؟!؟
كنت سعيداً بهذا الحب ، وبهذه الإنسانة الرائعة ، فهي تعطي بلا حدود ، ولعل هذا ما كنت أفتقده !!.. وبالمقابل فهي تأخذ بلا حدود ، ولعل هذا ما كانت تفتقده ؟؟!!.
في تلك الأمسية .. كنت أتوجه إلى منزلها كالعادة ، فلم يعد لي مكان أتوجه إليه سواه وسواها ، فأنا لا أستطيع صبراً على فراقها ، فالسعادة تغمرني والفرحة تطغي على كل حواسي عندما أفكر فيها .. وبلقائها .
وصلت منزلها .. مددت يدي إلى جيبي لأخرج المفتاح ، بحثت عنه في الجيب الأول فلم أجده .. الثاني .. والثالث . فتشت كل جيوبي بلا جدوى ، يبدو بأنني قد فقدته .. يبدو أنه سقط مني دون أن أشعر أو أحس بذلك ؟!..
تابعت البحث بانفعال .. باضطراب .. بعصبية .. لم يلبث أن اقترب مني طفلاً صغيراً ، أخذ ينظر نحوي ببلاهة غريبة وهو يراقب حركاتي العصبية الانفعالية وأنا ما زلت منهمكاً في البحث عن المفتاح الضائع .. شيء ما في عينيّ الطفل ؟؟!! .
لعله يسخر مني !! .. إنه ينظر نحوي بابتسامته المستهزئة الساخرة !! ، ومن خلال فمه الكبير تطل أسنانه المهشمة والتي رصت بشكل عشوائي غريب في التنظيم والنظام .
لم يلبث الطفل أن اقترب مني أكثر ، نظراته البلهاء ازدادت اتساعاً وبلاهة ؟؟!! .. مد يده نحوي ، التقط يدي بعنف .. أمسك بها بكلتا يديه وتمتم بكلمات بلهاء تشبه ابتسامته .. هتف :
- لا تنزعج هكذا .. تعال معي يا سيدي .. تعال ولا تخش شيئاً فإن لهذا المنزل باباً آخر .. هناك .. في الطرف الثاني ...
شدهت ؟؟!! .. فبماذا يهذي هذا الطفل الأبله ؟؟!! .. فأنا لم ألحظ في يوم من الأيام بأن هناك باباً آخر لهذا المنزل على الإطلاق !! .
.. أمسك الطفل بيدي بقوة .. قادني إلى حيث كان يشير ..
وصلت الطرف الآخر من المنزل .. أشار الطفل نحو باب جانبي وهو ما زال يبتسم ابتسامته العريضة البلهاء.. أتم حديثه بسذاجة :
- سيدي ... لا تهتم لفقدان المفتاح .. فكل الرجال الذين يأتون إلى هذا المنزل .. يفقدون مفاتيحهم .. ويدخلون من هنا .. من الباب الآخر ؟؟!! .