(( سيدتي الجميلة )) "
" الجزء الثاني "
بقلم / سليم عوض عيشان ( علاونة )
================

" الجزء الثاني "

" المبــــــــــــــروك "

تمتم الطبيب المولد بما يشبه الهمس :
- إنه مولود هالك .. لقد ولد الجنين ميتاً .
غادر الطبيب المكان ليقوم بالإجراءات الخاصة بإصدار شهادة الوفاة للجنين الهالك .
عندما كانت الممرضة المساعدة تقوم بعمل الترتيبات النهائية بعد عملية الولادة للمرأة .. وعندما كانت تضع الجنين الميت في قطعة القماش ووضعها جانباً تمهيداً للتخلص منها .. ومن أجل متابعة بقية الإجراءات اللازمة .. لاحظت الممرضة بأن قطعة القماش تتحرك وتهتز ببطء .
فوجئت الممرضة بالأمر .. سارعت باستدعاء الطبيب المولد على عجل واطلاعه على الأمر .. وقف الطبيب المولد لبعض الوقت أمام الجنين المولود يراقب الأمر .. لاحظ بأن الجنين الوليد يتحرك ويهتز بالفعل بشكل متصل ولكن ببطء شديد .
.. قام بتمزيق الأوراق التي كان يعدها لإصدار شهادة الوفاة .. وراح يصدر الأوامر المتلاحقة السريعة بنقل الوليد إلى الحاضنة الخاصة بالمواليد " الخدج " .. وعمل كل الترتيبات اللازمة .
الوليد لم يكن سوى قطعة لحمية مهلهلة شبه مشوهة .. داكنة السواد .. لا يتعدى وزنها بضع مئات من الجرامات .. بدت وكأنها لا تمت للبشرية بصلة .. جامدة الحركة إلا من حركة متواضعة .. ولكن يبدو بأن الحركة قد دبت فيها بشكل جيد بمجرد وضعها في حاضنة المواليد " الخدج " .
عندما أصبح طفلاً .. كانت أمارات وآثار موقف الولادة لا زالت ملتصقة به .. من سواده الداكن الواضح .. إلى هزاله الغريب البادي .. إلى تقوس الظهر بشكل غريب .. وعدم النطق السليم ولو بشكل نسبي .. واستيلاء" التأتاة " .. و " الفأفأة " على النطق .. وعدم الاتزان أثناء السير .
كل هذه المواصفات والمؤهلات ؛ كانت ترشحه وبجدارة لأن يكون " ملهاة " الأطفال و " لعبتهم " المسلية .. ومادة التندر والتفكه .
بالتالي .. لم يكن الطفل مهيئاً لدخول المدارس الرسمية أو غير الرسمية .. ولم يكن مهيئاً لممارسة أي عمل مهني أو بدني أو فكري بالمطلق .
كلما كبر .. ونضج .. كلما بانت مؤهلاته تلك وتجسدت بشكل كبير .. فما إن تعدى مرحلة الطفولة إلى مرحلة الشباب .. حتى كان يؤثر الانزواء والانطواء في كثير من الأحيان .. تفادياً لمشاكسات الأطفال والشباب .
في الغالب ، كان الأب أو الأخوة يصطحبونه معهم أثناء التسوق من السوق أو المحلات التجارية .. لا لشيء إلا ليقوم بمساعدتهم بحمل الأشياء التي كانوا يقومون بشرائها .. فيقوم بحمل بعض أكياس الحاجيات .. فيتمايل ويئن تحت ثقلها .. يتعثر .. وفي أحيان كثيرة كان يسقط على الأرض ..
في الغالب ؛ فإن ما كان يرتديه من أسمال بالية .. تبدو مهلهلة بشكل غريب .. وتكون واسعة فضفاضة على جسده النحيل .. فيبدو كـ " الأراجوز " .. أو " البلياتشو " .. فيكون مادة دسمة للتندر والتفكه من الجميع .
في كثير من الأحيان .. وعندما لم يكن الأطفال يجدون لعبة مسلية يلهون بها .. كانوا يترصدونه .. فيلاحقونه بمجرد أن يظهر في الطريق فيشاكسونه بالحديث والصراخ .. وقد يتمادى البعض بمد الأيدي نحوه .. للتربيت على وجهه ورقبته وظهره .. ثم يصفعونه بقوة على الوجه أو القفا وهم يتضاحكون ويصرخون فرحين .. فلا يسعه سوى محاولة الفرار من بين أيديهم بدون جدوى .. فيتحلقون من حوله .. ويمنعونه من الفرار .. فيصفعه هذا .. ويركله ثانٍ .. ويلكمه ثالث .. ولا يفلت من بين أيديهم إلا عندما يتدخل في الأمر رجل وقور من رجالات الحيّ .. أو يتصادف مرور أحد أقاربه في المكان .
منذ البداية .. وحتى النهاية .. كان لا بد من اختيار لقب يناسبه .. ولقد اهتدى الجميع إلى لقب أطلقوه عليه .. ولم يلبث الجميع أن رددوه باستمرار .. حتى طغى على اسمه الحقيقي .. ولم يعد أحد يناديه باسمه الحقيقي .. بل أصبح الجميع يطلقون عليه لقب ..
" المبــــــروك "

.. يتبع ...

لا يتوفر نص بديل تلقائي.لا يتوفر نص بديل تلقائي.ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏شخص أو أكثر‏ و‏لقطة قريبة‏‏‏أ


تم عمل هذا الموقع بواسطة