(( سيدتي الجميلة )) " كاملة "
قصة قصيرة
بقلم / سليم عوض عيشان ( علاونة )
================
مقدمة لا بد منها :
أحداث وشخوص النص حقيقية ...
وليست من الخيال بالمطلق ..
ولا فضل للكاتب على النص سوى الصياغة الأدبية .
( الكاتب )
------------------------------
(( سيدتي الجميلة ))
" الجزء الأول "
سيدة جميلة .. أنيقة .. جذابة .. رائعة الحسن والجمال .. رقيقة .. ناعمة .. مهذبة .. كانت تدخل الـ " بوتيك " يسبقها عطرها الراقي وأريج أنوثتها الفواح .
هب صاحب الـ "بوتيك " مسرعاً ليقوم على خدمة السيدة الجميلة ويلبي طلبها ، أحس بأن السعادة الحقيقية له تكمن في تلبية طلب السيدة الجميلة وخدمتها بشكل جيد .. ابتسامتها الجذابة الرائعة تدخل السعادة والحبور في القلوب وتأسرها بسحرها الغريب .. كانت تسير إلى داخل " الـ " بوتيك " بتيه ودلال .. ورشاقة متناهية.. لو أقيمت مسابقة للأناقة لفازت بالمرتبة الأولى بلا منازع .. ولو نظمت مسابقة لاختيار ملكة الجمال ؛ لكان الفوز من نصيبها بلا شك .
ما إن بدأ صاحب " البوتيك " الترحيب بها .. ويعلن عن استعداده لخدمتها .. حتى كان يدخل إلى الـ " بوتيك " شاب مهلهل الثياب .. أشعث الشعر .. أغبر الوجه .. طويل اللحية والشارب بشكل عشوائي غريب .. يرتدي الأسمال البالية .. و" جاكيت " غريب متسخ مهلهل .. شمر أكمامها حتى الكوعين ومنتصف الذراعين بشكل غريب !! ... نحيل الجسم .. مقوس الظهر .. زائغ البصر .. تائه الفكر .. أقرب ما يكون إلى المجاذيب وأهل الشعوذة .. يسير بخطوات وئيدة وكأنه يتعثر في مشيته .. يترنح ذات الشمال وذات اليمين وكأنه ثمل .
تنبه له صاحب الـ " بوتيك " ، فتوجه ناحيته بسرعة لكي يسأله حاجته على عجالة ثم يتفرغ لخدمة السيدة الجميلة .
سأله صاحب الـ " بوتيك " عن الخدمة التي يمكن أن يؤديها له .. تمتم الشاب ببضع كلمات غير مترابطة الحروف .. طأطأ رأسه إلى الأرض .. راح يدمدم بما يشبه النطق بكلمات مبعثرة .
أعاد صاحب الـ " بوتيك " السؤال على الشاب مرة أخرى يسأله عما إذا كان بإمكانه تقديم الخدمة له بما يطلب من الـ " بوتيك " .. تمتم الشاب من جديد وراح يدمدم بكلمات وحروف غير واضحة .
اعتقد صاحب الـ " بوتيك " بأنه قد أدرك الأمر .. أخرج من جيبه قطعة نقود معدنية ومد بيده بها ناحية الشاب .. وقد اعتقد بأنه " شحاذ " يستجدي الناس شيئاً .. نظر الشاب إليه بعيون زائغة وفكر تائه مشتت .. لم يمد يده ليتناول قطعة النقود .
أدرك صاحب الـ " بوتيك " بأن الشاب متحرج من تناول النقود .. فقام بوضعها في جيب الثوب المهلهل للشاب .. ليكفينه مؤونة الإحراج بمد اليد لتناول النقود .
لم يغادر الشاب المكان .. عجب صاحب الـ " بوتيك " من الأمر ، راح يتساءل في نفسه عن سر الشاب الغريب ؟؟!! .. اعتقد بأن النقود التي أعطاها للشاب لم تكن كافية .. أخرج قطعة نقود أخرى وألحقها بالقطعة السابقة .
صاحب الـ " بوتيك " كان في عجلة من أمره ، وكان كل همه أن ينهي الموقف مع الشاب وبأي شكل من الأشكال وبأي ثمن .. ليتفرغ للسيدة الجميلة .
السيدة الجميلة بدورها .. لم تكن تتابع الأحداث التي كانت تجري بين صاحب الـ " بوتيك " والشاب المهلهل .. فلقد كانت تعاين المعروضات المختلفة في " فاترينات " الـ " بوتيك " .
حانت منها التفاتة ناحيتهما .. أحست بالموقف الحرج بين الرجلين .. توجهت على الفور نحوهما بخطوات وئيدة وحركات كلها تيه ودلال .. هتفت بصاحب الـ " بوتيك " بنبرات غريبة وهي تبتسم ابتسامة فيها كل ألوان الطيف :
- دعه يا سيدي .. إنه .. زوجي ؟؟!!
(( سيدتي الجميلة )) "
" الجزء الثاني "
بقلم / سليم عوض عيشان ( علاونة )
================
" الجزء الثاني "
" المبــــــــــــــروك "
تمتم الطبيب المولد بما يشبه الهمس :
- إنه مولود هالك .. لقد ولد الجنين ميتاً .
غادر الطبيب المكان ليقوم بالإجراءات الخاصة بإصدار شهادة الوفاة للجنين الهالك .
عندما كانت الممرضة المساعدة تقوم بعمل الترتيبات النهائية بعد عملية الولادة للمرأة .. وعندما كانت تضع الجنين الميت في قطعة القماش ووضعها جانباً تمهيداً للتخلص منها .. ومن أجل متابعة بقية الإجراءات اللازمة .. لاحظت الممرضة بأن قطعة القماش تتحرك وتهتز ببطء .
فوجئت الممرضة بالأمر .. سارعت باستدعاء الطبيب المولد على عجل واطلاعه على الأمر .. وقف الطبيب المولد لبعض الوقت أمام الجنين المولود يراقب الأمر .. لاحظ بأن الجنين الوليد يتحرك ويهتز بالفعل بشكل متصل ولكن ببطء شديد .
.. قام بتمزيق الأوراق التي كان يعدها لإصدار شهادة الوفاة .. وراح يصدر الأوامر المتلاحقة السريعة بنقل الوليد إلى الحاضنة الخاصة بالمواليد " الخدج " .. وعمل كل الترتيبات اللازمة .
الوليد لم يكن سوى قطعة لحمية مهلهلة شبه مشوهة .. داكنة السواد .. لا يتعدى وزنها بضع مئات من الجرامات .. بدت وكأنها لا تمت للبشرية بصلة .. جامدة الحركة إلا من حركة متواضعة .. ولكن يبدو بأن الحركة قد دبت فيها بشكل جيد بمجرد وضعها في حاضنة المواليد " الخدج " .
عندما أصبح طفلاً .. كانت أمارات وآثار موقف الولادة لا زالت ملتصقة به .. من سواده الداكن الواضح .. إلى هزاله الغريب البادي .. إلى تقوس الظهر بشكل غريب .. وعدم النطق السليم ولو بشكل نسبي .. واستيلاء" التأتاة " .. و " الفأفأة " على النطق .. وعدم الاتزان أثناء السير .
كل هذه المواصفات والمؤهلات ؛ كانت ترشحه وبجدارة لأن يكون " ملهاة " الأطفال و " لعبتهم " المسلية .. ومادة التندر والتفكه .
بالتالي .. لم يكن الطفل مهيئاً لدخول المدارس الرسمية أو غير الرسمية .. ولم يكن مهيئاً لممارسة أي عمل مهني أو بدني أو فكري بالمطلق .
كلما كبر .. ونضج .. كلما بانت مؤهلاته تلك وتجسدت بشكل كبير .. فما إن تعدى مرحلة الطفولة إلى مرحلة الشباب .. حتى كان يؤثر الانزواء والانطواء في كثير من الأحيان .. تفادياً لمشاكسات الأطفال والشباب .
في الغالب ، كان الأب أو الأخوة يصطحبونه معهم أثناء التسوق من السوق أو المحلات التجارية .. لا لشيء إلا ليقوم بمساعدتهم بحمل الأشياء التي كانوا يقومون بشرائها .. فيقوم بحمل بعض أكياس الحاجيات .. فيتمايل ويئن تحت ثقلها .. يتعثر .. وفي أحيان كثيرة كان يسقط على الأرض ..
في الغالب ؛ فإن ما كان يرتديه من أسمال بالية .. تبدو مهلهلة بشكل غريب .. وتكون واسعة فضفاضة على جسده النحيل .. فيبدو كـ " الأراجوز " .. أو " البلياتشو " .. فيكون مادة دسمة للتندر والتفكه من الجميع .
في كثير من الأحيان .. وعندما لم يكن الأطفال يجدون لعبة مسلية يلهون بها .. كانوا يترصدونه .. فيلاحقونه بمجرد أن يظهر في الطريق فيشاكسونه بالحديث والصراخ .. وقد يتمادى البعض بمد الأيدي نحوه .. للتربيت على وجهه ورقبته وظهره .. ثم يصفعونه بقوة على الوجه أو القفا وهم يتضاحكون ويصرخون فرحين .. فلا يسعه سوى محاولة الفرار من بين أيديهم بدون جدوى .. فيتحلقون من حوله .. ويمنعونه من الفرار .. فيصفعه هذا .. ويركله ثانٍ .. ويلكمه ثالث .. ولا يفلت من بين أيديهم إلا عندما يتدخل في الأمر رجل وقور من رجالات الحيّ .. أو يتصادف مرور أحد أقاربه في المكان .
منذ البداية .. وحتى النهاية .. كان لا بد من اختيار لقب يناسبه .. ولقد اهتدى الجميع إلى لقب أطلقوه عليه .. ولم يلبث الجميع أن رددوه باستمرار .. حتى طغى على اسمه الحقيقي .. ولم يعد أحد يناديه باسمه الحقيقي .. بل أصبح الجميع يطلقون عليه لقب ..
" المبــــــروك "
.. يتبع ...
(( سيدتي الجميلة )) "
" الجزء الثالث "
بقلم / سليم عوض عيشان ( علاونة )
================
" الجزء الثالث "
" الانتقــــــــــــــــام "
- دعه يا سيدي .. فإنه .. زوجي ؟؟!!
لم يستوعب صاحب الـ " بوتيك " الأمر .. فلقد اعتقد بأن السمع قد خانه .. أو أنه قد بدأ في الهذيان .. أو أن المرأة تدعي ذلك .. على سبيل التفكه والتندر .. أو لعلها كانت تفعل ذلك .. على سبيل المشاكسة البريئة !!! .
وقف الرجل صاحب الـ " بوتيك " حائراً للحظات ليست بالهينة .. فاغراً فاه الدهشة .. وقد تلاشت كل التعبيرات عن وجهه .. تجمد في مكانه كتمثال إغريقي أو فرعوني .. شعر بالدوار .. بالغثيان .. كاد أن يتقيأ .. لكنه تمالك نفسه من هذا وذاك .
رددت السيدة الجميلة العبارة مرة أخرى وكأنها تؤكد له جدية الأمر :
- دعه يا سيدي .. إنه زوجي .. نعم يا سيدي .. إنه زوجي .
هذا يؤكد بأن السمع لم يخنه .. وأنه لا يهذي .. وأن المرأة لا تدعي ذلك .. وليس ما تقوله على سبيل التفكه والتندر أو المشاكسة بالمطلق .
فها هي تكرر العبارة مؤكدة صدق الحقيقة التي يصعب عليه تصديقها بأي حال من الأحوال ..
أفاق الرجل من أفكاره المتزاحمة المتلاطمة في ذهنه على صوتها النديّ وابتسامتها الصافية الرقراقة وهي تتابع :
- ولم العجب يا سيدي ؟؟!! .. فلا تعجب يا سيدي .. ولك أن تضحك عليّ .. أو لتبكي من أجلي .. فكلا الأمرين سيان .. فالضحك أو البكاء لن يغيرا من واقع الأمر شيئاً .. فهذا هو قدري في كل الأحوال .. وأنا أرضى وأقبل بقدري يا سيدي .. شئت ذلك أم أبيت .. فهو قدري في كل الأحوال ..
أعرف بأنه من غير اللائق أن أحدثك بأموري الشخصية والخاصة أكثر من هذا .. ولكن يبدو بأنك قد عجبت لأمري .. من أمري .. ويبدو بأنك تود أن تعرف كيف تمت الأمور .
لتعلم يا سيدي بأن حماتي .. أم زوجي هذا .. هي عمتي .. نعم .. هي شقيقة أبي .. هي امرأة متجبرة .. متكبرة .. متعجرفة .. متسلطة إلى أبعد حد وإلى أقصى درجة يمكن تصورها .
لم تكن عمتي على وفاق مع أبي بالمطلق .. كانت تحاول أن تطمس شخصية أبي دائماً .. وبكل الوسائل الممكنة وغير الممكنة .. تحاول أن تلغي شخصيته وأن تشطب رجولته .. حاولت أن تكون هي الآمرة الناهية .. وحاولت دوماً أن تكون الكلمة الأولى والأخيرة لها .. لها وحدها .
ولأنها شقيقته الأكبر سناً .. شقيقته الوحيدة .. كان يحاول دوماً أن يمتص غضبها وعصبيتها بكل الوسائل .. كان يحاول أن يتملقها .. يحاول بكل الطرق الأخرى .. ولكن بدون جدوى ..
في كثير من الأحيان كانت تتهجم عليه بلسانها السليط بالسب والشتم وبأفظع الألفاظ النابية .. وفي أحيان كثيرة كانت تتمادى في الأمر ، فتعتدي عليه بالضرب بالأيدي وبالأدوات الحادة المختلفة المتوفرة في المكان .. يساعدها في ذلك زوجها وأولادها جميعاً .
والدي ؛ لم يرزق بالذكور أو الإناث سواي .. فلقد كنت الابنة الوحيدة .. ففزت بكل الدلال والحب والاهتمام من جانبه .
أصدرت عمتي أوامرها لأبي بالموافقة على زواجي من أحد أبنائها .. بدوره ؛ أبي لم يكن بوسعه سوى الموافقة صاغراً مكرهاً .. وبدوري .. رفضت ذلك ..لألف سبب وسبب .. فعمتي تمثل الألف سبب بالكامل .. أما السبب الوحيد فهو أني كنت لا أزال صغيرة .. وأريد أن أكمل تعليمي .. التعليم الثانوي على الأقل .
ثارت ثائرة عمتي .. وأظهرت كل فنون الجنون .. لأني رفضت ذلك .. لأني قلت " لا " .. قامت عمتي بالاعتداء على أبي وعليّ بالضرب المبرح .. وكان من نتيجة ذلك .. أن انتقل والدي إلى رحمة الله ... قهراً وكمداً .
بموت أبي .. انكشف الغطاء عني .. غطاء الحماية ولو بشكل نسبي ..
وكانت أول بادرة من عمتي .. والتي قامت بها على الفور ... وقبل مضيّ وقت طويل على وفاة أبي .. كانت خطوتها الأولى المباشرة .. هي ..
" الانتـــــــقام "
... يتبع ...
(( سيدتي الجميلة )) "
" الجزء الرابع – قبل الأخير"
( زواج )
بقلم / سليم عوض عيشان ( علاونة )
================
" الجزء الرابع – قبل الأخير "
" زواج ؟؟!! "
" الانتقام " هو الأمر الذي فكرت فيه عمتي .. بل هو " الانتقام الرهيب " .
فبعد وفاة أبي .. بدأت تُظهر عدوانيتها الغريبة وبشكل أوضح وأوسع .. وتسلطها الأحمق وبشكل جنوني .
لا تسلني يا سيدي عن دور أمي في الأمر .. فهي امرأة مسالمة إلى أبعد الحدود .. طيبة إلى أقصى الدرجات .. تخشى مجرد الاحتكاك بأي إنسان في الوجود .. فما بالك والأمر يتعلق بامرأة مثل عمتي ؟؟!! وقد رأت بأم عينيها تنكيلها بي وبأبي .
عمتي المتسلطة .. كانت تتهجم عليّ وعلى أمي .. وبدون أي سبب على الإطلاق .. يدها تسبق لسانها بضربنا بقسوة وبلا رحمة .. في كل مناسبة وبدون مناسبة .
راحت تتفنن في إيذائي وتعذيبي وتنغيص حياتي .. وكان أول ما فعلته على الصعيد العملي أن أجبرتني على ترك المدرسة ..وذلك إمعاناً في الإذلال والتنكيل .. ثم فرضت عليّ الإقامة الجبرية في المنزل وعدم مغادرته على الإطلاق .. ولا بأي حال من الأحوال .
أمي .. لم يكن لها من دور سوى مشاركتي البكاء المر الأليم .. بدوري .. لم أكن أدري .. هل كانت تشاركني البكاء أم تراني أنا التي كنت أقوم بذلك ؟؟!! .. خاصة وأن الإيذاء من ضرب وإهانة وتجريح كان يطالها أيضاً .
العديد والعديد من الشباب تقدموا لخطبتي .. لطلب يدي .. الجميع كانوا يعرفون بأنني فتاة جميلة .. بل جميلة جداً ..
بعضهم كان يتقدم لطلب يدي والزواج مني لجمالي الذي ذاع صيته في الحيّ والأحياء الأخرى ..
آخرون .. وخاصة ممن كانوا من الجيران أو المعارف والذين كانوا يعرفون جيداً مدى معاناتي وشدة آلامي .. كانوا يتقدمون للزواج مني شفقة عليّ .. ورغبة منهم في محاولة تخليصي من السجن الرهيب .. والسجان المجنون .. أقصد السجانة المجنونة بالطبع .
كل هؤلاء وأولئك كانوا يرجعون خائبين .. بعد أن ترفض عمتي طلباتهم وقد نَصَبَت من نفسها ولية أمري .. رغم الإغراءات المادية العديدة التي كان الكثير منهم يتقدم بها .
أخيراً .. أخيراً جداً .. جاء الحل .. الفرج .. ولا تعجب يا سيدي بأن الحل كان على يد عمتي ذاتها ؟؟!! .
الحل .. كان بالشكل والصيغة التي أرادتها هي .. عمتي .. ومن الزاوية التي رأتها مناسبة .
فرضت عليّ الحل بأن أقبل الزواج من أحد أبنائها .. وهددتني إذا أنا رفضت ذلك بالويل والثبور ومصائب الأمور والتي لا تحمد عقباها .
وافقت .. وافقت على مضض .. مكرهة .. طالما أنها ترفض كل من تقدم لخطبتي .. وعلى أمل أن يكون في زواجي من أحد أبنائها الحل والخلاص من السجن والسجان .. ولعل في ذلك إدخال لبعض الشفقة والرأفة إلى قلب العمة المتسلطة .
لست أدري .. لماذا كانت أمي تبكي بحرقة .. وبشكل غير طبيعي وهي تُعِدُني وتُجَهِزني للزواج ..
كانت تنظر نحوي طويلاً .. ثم تبكي كثيراً .. وأنا في حيرة من أمري .. فأعلل بأن ذلك الأمر مرده إلى شعورها بالوحدة والفراغ والغربة بعد زواجي وتركها وحيدة .
وفي اليوم المحدد للزواج .. كنت أجلس في " الكوشة " وأنا أرتدي ثوب الزفاف وقد تزينت بأبهى زينة .. وكنت محطاً لأنظار جميع الحاضرات والحاضرين .
شاركت الجميع الرقص والغناء .. التصفيق والضحك .. حتى أخذ مني التعب والإرهاق كل مأخذ .. وأخيراً .. كنت أجلس على المقعد المخصص لي بانتظار وصول العريس .. الزوج .. ابن عمتي .. لكي يجلس إلى جانبي .. على الجزء المتبقي والشاغر من المقعد في انتظار وصوله .
وطال الانتظار كثيراً .. وأخيراً .. أخيراً جداً .. كان العريس يصل إلى المكان .. طأطأت رأسي خجلاً وحياءً قبل أن يطل من أقصى المكان .. كما تفعل العذارى عند اقتراب موعد وصول العريس المنتظر .. شعرت به يقترب من المكان .. أحسست به وهو يجلس إلى جانبي .. شعرت بالسعادة الطاغية .. ارتفعت " الزغاريد " تدوي وتجلجل في جميع الأرجاء والأركان .. ارتفع ضجيج الطبل والزمر .. الرقص والغناء والصخب والضجيج .. وجلجلت في المكان الضحكات الغريبة ؟؟!! .
رفعت عيني عن الأرض شيئاً فشيئاً .. بدأت أرفع ببصري رويداً رويداً .. نحو العريس المنتظر .
وما إن استقر بصري على الوجه .. وجه العريس .. حتى كنت أسقط على الأرض مغشياً عليّ .. ولكن قبل أن أغيب عن الوعيّ تماماً .. كنت أتمتم بحشرجة الموت :
- مَن ؟؟ .. " المبروك " ؟؟!!
.. يتبع .. ( الجزء الخامس – الأخير "
” سيدتي الجميلة "
(( الجزء الخامس - الأخير - ))
" الحارس المهذب "
-------------------------
مقدمة لا بد منها :
في البداية ..
ليأذن لي جميع الأخوة والأخوات الأفاضل الكرام أن أقدم لهم جميعاً وافر شكري وجزيل تقديري واحترامي ... لما غمروني به من لطيف القول .. وحلو الحديث .. ومتابعة أخوية راقية على نصي المتواضع .
ثم ..
ليأذن لي الجميع بتقديم جزيل الشكر والتقدير لهم جميعاً .. لسعة صدرهم .. وخاصة لما تحلوا به من صبر طوال نشر أجزاء هذا النص المتواضع ..
خاصة وأنني لم أكن أحاول بالمطلق أن أجيب على أي تساؤل .. وذلك خشية انكشاف بعض جوانب النص التي كنت أحافظ على سريتها وعدم كشفها إلا في الوقت المناسب ..
في هذا الجزء ( الخامس الأخير ) من نصي المتواضع ... سوف تجيب بطلة النص على كل التساؤلات والاستفسارات التي أحجم كاتب النص عن الإجابة عليها في حينه .. ليترك المجال واسعاً لبطلة النص بقول كل ما تريد من إجابات على أسئلة واستفسارات الأخوة والأخوات الكرام أثناء السياق للنص .
ولا أظن تلك الاستفسارات ( التي كانت من الصحب الكريم ) سوى نتيجة التفاعل الرائع مع النص وشخوصه .. وخاصة بطلة النص .. والغوص في أعماق الأحداث .
( أرجو أن أنوه بأن النص كان متكاملاً " ورقياً " منذ البداية وحتى النهاية )
أرجو أن يكون هذا الجزء .. ( الخامس والأخير ) بمثابة إهداء متواضع لكل الأحبة من الأخوة والأخوات الكرام الذين شاركوني رحلة النص .. ( والتي أظن بأنها كانت رحلة مرهقة )..
وأعتذر لكل الأخوة / الأخوات الكرام الذين سعدت بنقدهم وتعليقاتهم الراقية .. وأسفت لعدم ردي على نقدهم وتعليقاتهم الرائعة في حينه .. حتى لا أكشف أي جانب من جوانب النص .
في النهاية .. أسأل الله تعالى أن أكون عند حسن ظن الأخوة / الأخوات الكرام بي دوماً .. وان أكون قد أوصلت الرسالة المبتغاة من النص ..
ولا داعي في النهاية أن أعيد التأكيد بأن لب القضية للنص .. هي حقيقة على أرض الواقع .. وأكرر .. بأن لا فضل للكاتب على النص .. اللهم سوى الصياغة الأدبية ..
أكرر الشكر .. التحية .. الاحترام ... للجميع
معاً وسوياً على الدرب الطويل الشائك ..
أخوكم المحب
سليم عوض عيشان ( علاونة )
=============
(( سيدتي الجميلة "
(( الجزء الخامس - الأخير - ))
" الحارس المهذب "
" أعلم جيداَ ما يدور في ذهنك يا سيدي .. أعرف جيداً تلك الأفكار التي تتدافع في ذهنك .. وأدرك جيداً آلاف علامات الاستفهام التي تناوش خاطرك ... .
لعلك تتساءل يا سيدي .. لماذا أبوح لك بكل هذه الأمور ؟؟ .. ولماذا أفشي لك بمثل هذه الأسرار ؟؟؟ وخاصة أنني أعرف بأن الجميع يعرفون بأن ( البيوت أسرار ) .. وأنا أعرف ذلك جيداً .. ولا يجوز الخوض فيها أو إفشائها للآخرين .
لتعلم يا سيدي بأنني أحس بأنك لست غريباً بالنسبة لي .. فلا تعجب يا سيدي من قولي هذا .. فأنا قد توسمت فيك الخير ..لأنني أرى بأنك رجل وقور .. ويبدو بأن الحياة قد عركتك جيداً .. وأنك خضت تجارب الحياة من خلال سنوات عمرك الطويل ..
أرى فيك يا سيدي طيبة أبي وحنوه وعطفه .. فأنت في عمر أبي رحمه الله .. وفيك من الشبه به الشيء الكثير ..
لا تظن يا سيدي بأنني أقول هذا أو ذاك رياءً أو خداعاً .. أو من أجل الحصول على ما أريد من محلك هذا مجاناً .. أو بمبلغ زهيد .. لا يا سيدي .. فأنا لن آخذ شيئاً من هنا قبل أن أدفع الثمن كاملاً .. وبدون أدنى مساومة من جانبي من أجل تخفيض الثمن .. فلك ما تطلب من سعر ومن ثمن .. وقد يقودك هذا إلى تساؤل جديد غريب آخر .. فسوف تردد في ذهنك بالتأكيد : " ومن أين لك بالنقود ؟؟!! " .
أرجو أن لا تذهب بك الظنون كل مذهب .. وأن لا تأخذك كل مأخذ .. فأبي رحمه الله كان موسر الحال .. وأمي امرأة حريصة .. استطاعت المحافظة على أموال أبي بحنكة وذكاء .. وهي التي تمدني بالنقود .. من أموال أبي رحمه الله .. فأنا وحيدتهما .. وريثتها ووريثته .. ولعلك تتساءل أيضاً في سرك فتقول : " فكيف سيكون الحال عندما تعودين إلى المنزل ومعك هذه الأشياء ؟؟!! .. لا شك بأن عمتك سوف تقوم بفتح " محضر : لن تقفله طوال العمر حول هذه الأشياء .. وطريقة الحصول عليها ؟؟ .. سأجيبك يا سيدي على هذا التساؤل أيضاً .. لتعلم يا سيدي بأن هذه الأشياء لن أحملها معي إلى البيت !!.. لا تعجب من هذا يا سيدي .. فأنا سوف أقوم بتوزيعها على من يحتاج لها .. وهم كثيرون .. كثيرون جداً .. ولعلك سوف تتساءل بعد ذلك فتقول .. ألا تخشين أن يفشى زوجك الأمر لأمه ؟؟!! .. لك الحق فيما تساءلت به يا سيدي .. ولكن .. لتعلم بأن زوجي هذا .. " المبروك " .. شاب مهذب .. مهذب جداً .. فهو لا يفشي أسراري بالمطلق .. يضع ثقته كاملة بي .. وبدوري فأنا أثبت له وبالدليل المطلق الدائم بأنني محلاً للثقة ..
ولعلك تتساءل عن أمور كثيرة أخرى .. عن زوجي هذا مثلاً .. ولماذا أتركه على مثل هذه الحالة ؟؟!! ..
فلتضحك أو لتبكِ يا سيدي .. فالضحك والبكاء سيان في مثل حالتي .. فإن أمه .. حماتي .. عمتي .. ترفض وبشدة أن تتركه لي ؟؟!! معي .. ولو لدقائق معدودة ..هل تتصور ذلك يا سيدي ؟؟!! هل تدرك ذلك يا سيدي ؟؟!! ..
إنه زوجي .. زوجي .. ورغم ذلك لا تتركه لي كي أحاول أن أغير من شكله .. من هندامه .. لا لشيء إلا لأنها تريد أن تمارس هوايتها وساديتها بإذلالي ؟؟!! .. وبكل الوسائل وبشتى الطرق ... ولأنها لا تريد أن أجعله يميل إلى جانبي .. إلى صفي ؟؟!!!
كزوجة .. فإن لي حق الزوجية عليه .. وعليها .. هي لا تدعني أراه سوى مرة واحدة في الأسبوع ..؟؟!! .. وعلى عجالة .. لعدة دقائق فقط .. تتركه معي .. لي .. لبعض الوقت .. بينما هي تقف بالباب .. باب الحجرة تنتظر ؟؟!! .. هل تتصور ذلك يا سيدي ؟؟!! هل تتصور ؟؟!!.. ثم لا تلبث أن تندفع داخل الحجرة خاصتي .. وتنتزع ابنها .. زوجي .. بالقوة وتغادر ..
لعلك تتساءل يا سيدي .. وكيف تسمح لي بالخروج من المنزل ؟؟!!
هنا تصل أمور الإهانة والإذلال أقصاها .. ألم أقل بأنها امرأة سادية .. ؟؟ فهي تطلب مني الخروج .. ولكن برفقة الحارس الأمين .. الحارس المهذب ... زوجي .. هي لا تقصد حراستي .. ولا تقصد سعادتي .. .. بل تقصد تعاستي .. إذلالي .. وذلك من خلال مصاحبتي له .. ومصاحبته لي .. تقصد أن تجعلني مادة للتفكه والسخرية والتندر من الجميع .. عندما يشاهدون امرأة جميلة .. بمثل مواصفاتي .. تسير بصحبة شاب .. بمثل تلك المواصفات ..
لك أن تتصور تناهي الكثير من التعليقات إلى مسامعي من السابلة .. وكم سمعت البعض يرددون ..: " أنظروا .. ها هي " السيدة الجميلة ".. وها هو أحدب " نوتردام " ؟؟!! " .
هل تريد الحقيقة يا سيدي ..
إنني أرثي لنفسي وحالي مرة .. وأرثي لزوجي ألف مرة .. فهو ضحية مثلي .. إني أشفق عليه .. أتعاطف معه ... هل تصدقني لو قلت لك .. بأنني أحبه ؟؟!! .
لعلك تتساءل كثيراً في سرك يا سيدي .." ولماذا أبوح لك بكل هذا وذاك ؟؟!! " .
لك الحق في ذلك يا سيدي .. لك كل الحق ..
سأجيبك على تساؤلك هذا يا سيدي ..
أنا أقول لك كل ذلك ليس من أجل أن تساعدني .. فأنا لست بحاجة للمساعدة .. إنني أعرف الله جيداً .. وأعرف بأن الله معي .. وأعرف أن هذا هو قدري ... وأحافظ على شرفي وسمعتي .. لأن قلبي عامرٌ بالإيمان .. وبحب الله ..
ولأنني أمتلك قلباً متحجراً .. قلباً مات منذ زمن بعيد .. ولا تغرنك ابتسامتي هذه ... فهي ابتسامة ميتة .. كقلب صاحبتها تماماً ..
أقول لك ذلك لعل صوت العشرات .. المئات .. الآلاف من النساء من أمثالي .. لعل أصواتهن تصل إلى مسامع أصحاب الضمائر الحية .. والقلوب الرحيمة ..فيحاولون إنقاذ السيدات الجميلات .. من براثن الحقد والغل والضغينة والكراهية ..
أحدثك بالأمر .. عسى أن يسمع به واعظاً .. داعية .. أو أديباً وكاتباً ..
لعله يسمع آهاتي المكبوتة .. آهات الآلاف من أمثالي من بنات جلدتي .. من المعذبات في الأرض .. فلعل وعسى ..
فقط .. كل ما أرجوه منك يا سيدي .. أن لا تفصح عن اسمي .. أو اسم عائلتي .. أو اسم زوجي .. أو عن مكان سكناي .. رغم أنني أدرك جيداً بأنك لم تعرف هذه الأشياء حتى الآن .. فأرجو أن لا تحاول البحث عن هذه الأمور .. بالمطلق ..
فليكن اسمي .. " فاطمة " .. " جميلة " .. " كريمة " .. " ليلى " .. .. أي اسم تريده يا سيدي وأي اسم تختاره .
أرجوك يا سيدي .. حاول أن تجد القلب .. القلم .. الذي يصور معاناتي .. مأساتي . معاناة ومأساة الآلاف من أمثالي . أنا لا يهمني أمري وشأني .. المهم .. المهم أن يتوقف مسلسل العذاب .. الاضطهاد .. الظلم ..
أرجوك يا سيدي .. أرجوك .. أرجوك ..
كانت " السيدة الجميلة " تردد هذه العبارة وهي تغادر المكان .. يتبعها الشاب " الحارس المهذب " .. زوجها ..
شعر صاحب الـ " بوتيك " وكأنه يشاهد موكباً جنائزياً حزيناً يمر من أمامه .. لم يلبث أن أفاق من شروده على صوت " السيدة الجميلة " بعد أن توقفت عن السير الجنائزي .. وبعد أن صوبت بصرها نحو الرجل .. صاحب الـ " بوتيك " ..
ابتسمت ابتسامة غريبة .. تحمل كل ألوان الطيف وكل ألوان الدنيا .. تحمل مليون معنىً ومعنى .. هتفت بحروف غير حروف البشر :
- ولا تنس يا سيدي الفاضل .. .. لا تنس أن تخبر الواعظ .. الداعية .. الأديب .. الكاتب ..
بأن .. " السيدة الجميلة " ... كانت .. .. وما زالت ...
" عـــــــــــــــــــــــــــذراء "
-------------------------------
وهكذا ينتهي النص ... ولكن الحكاية .. المأساة ... ما زالت مستمرة ...