قصيدة "انقذوا بيوت القدس" للشاعر لطفي الياسيني / الدكتور يحيى جبر، والأستاذة عبير حمد
---------------------------------------------------------------------------------------------
تناولت الدراسة الأكاديمية "دور الشعر في معركة الدفاع عن القدس" التي أعدها كلًا من الدكتور يحيى جبر، والأستاذة عبير حمد، التي قدمت في مؤتمر القدس الذي نظمته جامعة القدس المفتوحة 2009م قصيدة "انقذوا بيوت القدس" للشاعر لطفي الياسيني، وقد كان تعليقهما على القصيدة: (وبعد هذه المطولة التي ضمت أسماء أماكن شعبية في القدس ونابلس وأسماء مدن وقرى فلسطينية، ندرك أن الشاعر يغذي فينا إحساسًا لا يضاهى بالفجيعة وفقدان الحرية، وهذا الإحساس الفجائعي في جوهره أكثر حقائق وجود
وأما الشاعر لطفي الياسيني فيقول في قصيدة بعنوان \”انقذوا بيوت القدس\” ما يلي:
يعرفني سوق القطانين
يعرفني سوق اللحامين
درج الطابون
يعرفني حوش الشاي …
وخان الزيت وسوق الباشورا
من عهد صلاح الدين
يعرفني حي الواد
وباب المجلس والإصلاحية
حمام العين
وعين العذرا
باب الأسباط
قبور الصلاح
يعرفني باب العامود
وباب الساهرة
وسوق الفلاحين
يعرفني حي مغاربة الميلاد الأول
يشهد مستشفى الهوسبيس
وزاوية الافغاني
يشهد حي البسطامي
عقبة شداد
سوق الدباغين
تشهد زاوية هنود القدس
وحي المصرارة…
أني في القدس ولدت…
بدير ياسين
قبل النكبة كان الميلاد المحزون
يشهد حي التوتة
حي السعدية
والمئذنة الحمراء…
وحي الأمريكان…
وعقبة صهيون
أني صاحب هذي الأرض
وفلاح الأرض
قبيل وجود النازيين
تشهد كل قبور الشهداء المدفونين
حي الجثمانية
والصوانة
والطور
وسوق العطارين
أن جذوري في رحم الأرض العطشى
من قبل العصر الحجري…
وقبل الرومان
وقبل العثمانيين
أن القدس وأقصاها
وبراق المسرى
والمعراج
وقبة صخرتها
وإسطبلات سليمان…
وسجن الجان
ومركز توزيع الغوث
على كل بطاقات التموين
أني املك طابو
كوشان الارض
ومفتاح العودة
منذ الهجرة
عن أرض فلسطين
في مرتفعات الجولان
أراضي السوريين
تعرفني حيفا
تعرفني يافا
تعرفني عكا
تعرفني ارض الناصرة
وجبل القفزة
والنين
تعرفني
عرابة.. سهل البطوف
وسخنين
والمجدل ..غزة هاشم..
أم الرشراش
وحطين
أني من هذي الأرض
بلاد الكنعانيين
استشهد مثل الشجرة
في أرض جنين
في جبل النار
خليل الرحمن
ووادي فوكين
فلاح أصلي من هذي الأرض
وتشهد حوسان
ونحالين
أملك كل الأوراق
وأتحدى
عهر العالم
أمريكا
والصهيونيين
وبعد هذه المطولة التي ضمت أسماء أماكن شعبية في القدس ونابلس وأسماء مدن وقرى فلسطينية، ندرك أن الشاعر \”يغذي فينا إحساسا لا يضاهى بالفجيعة وفقدان الحرية، وهذا الإحساس الفجائعي في جوهره أكثر حقائق وجودنا ض راوة ومعنى … لذلك فإن فلسطين بالنسبة للشاعر العربي، لم تكن موضوعا خارجيا فاترا، بل كانت جزءا من موضوعة الحرية والصراع الدامي من أجلها في الوطن العربي، لم يكن اغتصاب هذه الأرض انتهاكا مجردا للجغرافية، أو عدوانا عابرا عليها، بل هي بالنسبة للشاعر العربي عدوان على حريته وتماسكه وبهجته الإنسانية، ولذا كان الشاعر يتماهى مع عناصر الموضوع الفلسطيني.\” (30) فنجده ينحاز إلى المكان انحيازا صارخا، ردا على اغتصاب العدو له وتدميره. \”إن تدمير الاحتلال الصهيوني للنواة الخفية \”فلسطين\”، جعلت المكان هاجسا في المخيلة الشعرية الفلسطينية، شكل الشعراء من خلاله جمالياتهم الشعرية، ولذلك عندما عمدوا إلى رواية قصصهم المكانية الذاتية، رووا في الوقت نفسه، قصصهم المكانية المستقرة في الوعي واللاوعي الجماعي.\” (31) فكثرة الأماكن المذكورة في القصيدة، تقول لنا أنه من غير الممكن أن يكون للشاعر ذاته علاقة حميمة بها جميعا، ومع ذلك فهو يصر على ذكرها لأنه يتكلم بلسان شعب كامل هُجّر من أراضيه وطُرد من بيوته.
\”لقد تمحور الشعراء الفلسطينيون حول النواة الخفية \”فلسطين\” باعتبارها مكانا واقعيا وشعريا، ينفتح على العالم ويتضافر معها في علاقة تفاعلية عميقة، جعلت النص الشعري مشبعا بكيانية مكانية متحركة، غير معزولة عن البشر، وجعلت المكان إيقاعا شاملا يتسلل إلى خلايا النص، بل يصبح الخلية الأساسية فيه، بعيدا عن الانبهار \”السياحي\”، فالأمكنة جزء من التجربة الحياتية سلبا أو إيجابا، والشاعر يقرأ أسرار الأمكنة وخفاياها، ويقرأ جغرافيتها وتاريخها الماضي والحاضر والمستقبل\” (32
كما لم يكن غريبًا أن يتبوأ الياسيني سدة الشعر كل هذه الأعوام حتى نجده من خلال إجادته له لا يخشى أن يكتب كلمة "مرتجل" في عناوين قصائده خاصة تلك التي يرد بها تحية من حياه بقصيدة، ذلك أن البناء المؤسِس للياسيني "الشاعر" متين وقديم في مسيرته الشعرية الحافلة؛ فهو ينحدر من أسرة تنشد الشعر وتقرضه من قديم؛ فقد كان جده لأبيه شاعًرا، كما كان والده ووالدته من الشعراء، أي أن الشعر في عائلتهم ينتقل إليهم بالوراثة، ولهذا فقد تغنى شاعرنا بالشعر في طفولته وصباه، وكان يعرض أبياته على أبيه الذي جمع بين إتقانه للشعر كذلك إتقانه العزف على آلة الرباب وهي آلة وترية، ولهذا تجد موسيقى الشعر تنثال من قصائده فطرية، غير مصطنعة ولا متكلفة، كما يحصل هو عليها بيسر وتناغم دون تعسف.