" لعبة المناديل الملونة "
قصة قصيرة
بقلم / سليم عوض عيشان ( علاونة )
==================
تنويه :
شخوص وأحداث النص حدثت على أرض الواقع .. في بلد ما ... من وطننا العربي الكبير .
وليس من فضل للكاتب على النص .. اللهم سوى الصياغة الأدبية فحسب .
إهداء متواضع :
للأستاذة الراقية التي أوحت لي بفكرة النص ... وكانت ( شاهد عيان ) على الأحداث .
وإهداء لبطلة النص ( المفترضة ) ...
( الكاتب )
------------------------------
" لعبة المناديل الملونة "
( الجزء الأول)
" .. يا لها من لعبة مسلية حقا .. جميلة حقا ... رائعة حقاً .. هذه اللعبة المكررة .. التي تلعبها دوما معي يا أبي الحبيب .
كم أنا أحبك يا أبي .. وكم أحب ألعابك الرائعة معي ... وخاصة هذه اللعبة الجميلة .. " لعبة المناديل الملونة " ..
كدأبك دوماً .. كنت تعرف بأنني أعشق تلك المناديل الملونة الزاهية الجميلة .. والتي تخلو دوما من اللون الأحمر .. لأنك تعرف جيدا بأنني لا أحب هذا اللون ... أمقته .. وكنت تهديها لي في كل مناسبة .. وبدون مناسبة ...
كنت تتحفني بواحدة منها في كل مرة ... فترى السعادة الجمة وقد ارتسمت على وجهي .. فتضمني إلى صدرك .. إلى قلبك .. برفق وحنو ... ثم تمطرني بالقبلات الرائعة .
كنت تفعل كل هذا ... وأنت تلف المنديل الجميل الملون حول عنقي برفق وهدوء ورقة .
في كل مرة ... كنت تفعل مثل هذا من جانبك ... وبعد أن تنتهي من وضع المنديل الجميل حول عنقي بشكل جيد ... كنت تغرقني بالقبلات الأبوية الجميلة .. فكنت بدوري أقوم باحتضان رأسك الجميل ... وأضمه إلى صدري وإلى قلبي ... بسعادة غامرة وأنهال عليه بالقبلات البريئة العذبة .
في كل مرة ... كنت دوما أتمتم بسعادة : " .. كم أحبك يا أبي .. كم أحبك .. وكم أحب تلك اللعبة الرائعة .. " .
في كل مرة .. كنت تمارس معي تلك اللعبة التي أسميناها سوية " لعبة المناديل الملونة " ... كانت علامات السعادة والفرح تملأ قسمات وجهك الجميل وتضاريسه ... كانت الابتسامة تنقلب إلى ضحكات .. ثم إلى قهقهات مجلجلة مدوية .. تملأ المكان .. ويتردد صداها في جنبات الأرض وأرجاء السماء .. فتضمني بقوة وتقبلني بسعادة من جديد .. وأضمك.. وأقبلك بسعادة من جديد .
كنا نمارس تلك اللعبة المسلية منذ زمن طويل .. منذ كنت طفلة غضة لا أتجاوز ربيعي السابع .. وحتى أصبحت الآن في الخامسة عشر من عمري ..
ها أنت تأتي في هذه المرة وأنت تحمل منديلا أجمل بكثير ... أجمل من كل المناديل السابقة .. أكبر بكثير .. أكبر من كل المناديل السابقة .
ها أنت تقترب مني لكي تبدأ معي تلك اللعبة الجميلة المسلية .. ها أنا أبتسم لك ابتسامتي المعهودة التي كنت تحبها كثيرا .. الابتسامة التي كنت تعشقها دائما .. وها هي الابتسامة تغطي وجهي كله .. كما هي عادتي ..
ولكن ؟؟!! .. مالي أراك عابسا متجهماً هذه المرة هكذا يا أبي ؟؟!! .. لماذا لا أرى تلك الابتسامة الجميلة على محياك ؟؟!! ..
ها أنت تقترب مني أكثر فأكثر ... وتمد بكلتا يديك التي تحمل المنديل الجميل لتلفه حول عنقي كما هي العادة .. كما كان يحدث دائما في كل مرة نمارس فيها سوية تلك اللعبة الجميلة المسلية .. " لعبة المناديل الملونة " ..
لماذا أراك لا تتفوه بحرف يا أبي ؟؟!! . لماذا أراك صامتا صارما كالصخر الصلد هكذا ؟؟!! .
لماذا أراك تنظر نحوي بعيون متأججة تقدح بالشرر المتطاير وتصوب نحوي شواذها الحارقة هكذا ؟؟!! .
مالي أحس بيديك ترتجفان هكذا وأنت تلف المنديل الملون حول عنقي ؟؟!! .
أين ابتسامتك الجميلة العذبة يا أبي ؟؟ ... أين ضحكاتك .. قهقهاتك المجلجلة المدوية ؟؟!! .. أين كلماتك الجميلة العذبة ؟؟!! أين قبلاتك الأجمل ؟؟!! .
مالي أحس بيديك المرتجفتين وقد أصبحتا كقطعتي جليد قدتا من المحيط المتجمد الجنوبي أو الشمالي ... أو كلاهما ؟؟!! ..
ها أنت تقترب مني أكثر ... ها أنت تعبس وتتجهم أكثر ... ها أنت تلف المنديل الملون الجميل حول عنقي أكثر ...
لماذا تخرج في هذه المرة عن أصول اللعبة الجميلة هكذا يا أبي ؟؟!!
لم تكن مراسم " لعبة المناديل الملونة " تتم على هذه الشاكلة .. ولا بهذه الطريقة الغريبة .
في المرات السابقة .. كنت تلف المنديل الملون حول عنقي برقة .. بهدوء .. بنعومة .. بلطف وخفة .. ولم تكن تؤذيني .. بل كنت تسعدني . تبهجني .. تفرحني .
على العكس تماماً مما تفعله الآن .. في هذه المرة ؟؟!! .
رويدك يا أبي .. رويدك بالله عليك ... فإن عنقي الرقيق .. يؤلمني ... هو لا يحتمل مثل كل هذا الضغط الرهيب من المنديل ومن يديك حول عنقي .
أرجوك يا أبي .. أرجوك .. أتوسل إليك ... خفف الضغط من حول رقبتي قليلاً .. فأنا أكاد أن أختنق .. أكاد ألا أستنشق ذرة من الهواء ... أحس بأن فقرات عنقي تتحطم .. جراء هذا الضغط الهائل الرهيب الذي أحدثه المنديل الملون المطبق على عنقي تماماً .. بغلظة .
لماذا تعبس وتتجهم هكذا في وجهي ؟؟!! لماذا لا تبتسم ؟؟!! .. لماذا لا تضحك .. لماذا لا تقهقه ؟؟!! .
لماذا لا تضمني إلى صدرك .. إلى قلبك ؟؟!! .. لماذا لا تقبلني مثل تلك القبلات الأبوية الجميلة العذبة ؟؟!! ..
رويدك يا أبي .. رويدك بالله عليك .
أرجوك يا أبي .. أتوسل إليك .. أن تخفف الضغط قليلاً عن عنقي .. فأنا أختنق .. أختنق .. أختنق ..
رويدك يا أبي .. بالله عليك .. رويدك فها أنا أرى الدم ينبثق من فمي .. من أنفي .... من عيوني ... لكي يصبغ المنديل بلون آخر .. بلون جديد .. لم يكن فيه أصلاً .. ولا في كل المناديل السابقة .. لأني أمقت ذلك اللون .. أمقته كثيراً .
لقد أصبح هو اللون الوحيد للمنديل .. بعد أن طمس كل الألوان السابقة .. وبعد أن اصطبغ المنديل باللون الأحمر .
رويدك يا أبي بالله عليك .. رويدك ..
الغمامة الكثيفة حمراء اللون تحجب الرؤيا عن عينيّ .. فأراك كظل شبح خرافي مخيف ... يحدق بي بوحشية .
أرجوك يا أبي .. أرجوك .. خذ بيدي ... ساعدني على التماسك .. على الوقوف .. على التحامل .. فأنا لم أعد أقوى على الوقوف .. فها هي يدي أمدها إليك .. لكي تساعدني .. لكي تأخذ بيدي ..
لماذا أراك تشيح بوجهك عني هكذا ؟؟!!
لماذا تعرض عني ؟؟!! .. لماذا تبتعد عني ؟؟!!
أبي .. أبي ... كم أحبك يا أبي .. كم أحبك يا أبي .. وكم أحب هذه اللعبة المسلية .. ولكن يبدو يا أبي .. بأنك قد نسيت أصول اللعبة .. ؟؟!! ... فأنا أعذرك .. أعذرك كثيرا يا أبي .
أرجوك .. أرجوك خذ بيدي .. ساعدني .. لا تدعني .. لا تتركني .. أرجوك يا أبي .. فأنا أختنق .. أموت .. أموت ...
... يتبع ...