((نزوة في خريف العمر))
نـوَّارتـي ... رَيْحـانـةٌ بَيـنَ البَشَـرْ
جذَّابةٌ حَدَّ الغَوَى .. تَسْبي النَّظـرْ
زَحَفَـتْ إِلَـيَّ تَجُـرُّ كَنْــزَ فتـونهـــا
وكـأنَّهـا جيـشٌ .. تَـرَصَّـعَ بالـدُّرَرْ
دَلفَتْ وفَصلُ العمـر حَـلَّ خريفُـهُ
وَرَسَتْ على شطآن قلبي كالقـدر
ثمَّ انثنـت تزجي مصائـد حسنهـا
فَجَزَمْتُ مقْتنعاً سَيَدرِكُني الخطر
عَبَـرتْ بأسلحـة الغـرام معـاقلـي
لَثَـمَ الهَوى لغْمَ المشاعر فانْفجـرْ
فَتهَاطلـتْ أطيـابـه في سـاحتـي
كرحيقِ زهرٍ في المروج إذا انْتَثَرْ
وسَقَتْ فؤاديَ من كؤوسِ ودادها
وبـِرِقَّــةٍ عبَــرَ الحـواجـز وانْتَصـرْ
هذا الهوى كمْ كنتُ أخشى صَحوَهُ
كم مرةٍ . منْ لَوْعِـهِ . قلبي انْفَطَـر
قد جـاء يهـدمُ ما بَنيتُ مُجَـالـداً
حصـنَ التعقُّـلِ والتعفُّـفِ والكبَـرْ
وصَحَا الشّعورُ على صَليلِ رهافةٍ
تتلـو الـدَّلال كـأنَّــهُ لحـنُ الْبطَــرْ
فتكسَّرتْ أصفـاد وَجديَ دهشـةً
لم يُغْنِني في صدِّها سورُ الحَذَرْ
نثـرتْ على أنقـاض عمـريَ لهفَهـا
وهَمَتْ على صحراءروحي كالمطر
فَتَفَتَّحـتْ شَغَفـاً بـراعـمُ مهجتـي
وتَضـرَّمَ الحـبُّ المعتَّـقُ واسْتَعَــرْ
ماستْ على وَلَهي الشَّفيفِ بغنْجها
هيفــاءُ قَـدٍّ تَقْتَنـي أشْهـى الثَّمــر
ريـمٌ توشَّحَ وجهُها سيفَ الضُّحى
آيـاتُ نــورٍ ينجلـي منهــا البصــر
وَجبينُهــا ألَـقٌ ... تعمَّـمَ عَسْجَـداً
مسْترسلاً فوق اللُّجَيْنِ قَدِ ازْدَهَرْ
فَرَمَتْ فؤاديَ رشقةٌ من قَوْسهـا
نجـلاءُ عيـنٍ فـوق وردٍ قَـدْ نَـدَر
وَأنَـا بِنَجـْلاءِ العيـون ... مُـوَلَّــهٌ
وببحـرها أنثـال يغرقني الحَـوَرْ
كحـلاءُ إنْ غَمَـزَتْ تذوبُ صبـابـةً
وتهيمُ في غـابِ الثَّمـالة والخَـدَر
حـوراءُ طَـرفٍ .. مارأيـت مثيلهـا
كم أشتهي في تيهها طول السفر
وإذا تبسَّـمَ ثغـرُهـا فـاض السَّنــا
شـلَّالُ خَمْـرٍ من عَرائِشهـا انْهَمَـرْ
وشفاههــا كـرزٌ .. تكحَّـلَ بـالَّلمَـى
والخـدُّ وردٌ بالعقيـق قَـدِ انْـدَثَــرْ
والجيـد صـرحٌ .. بالنقاء .. ممـرَّدٌ
والصَّدرُ بَـضٌ كالعجين إذا اخْتَمَرْ
آيُ الجمـالُ بهـا .. تَفَـرَّدَ .. خَلْقـُـهْ
سحرُ الأنوثة في البراءة يُخْتَصَرْ
إنَّ البـلاغـةَ لـو تحـاولُ وصفهــا
عجزتْ ولوجَمَعَتْ لها كلَّ الصُّوَر
فوقعتُ من عجبٍ أسيرَ شباكهـا
لمَّا سَعَتْ تختالُ في ثَوب الخَفَر
فتأجَّجتْ من لوعتي حمَّى الظَّما
وأثارَني شغَـفُ الغوايـة والظَّفـر
فرفَعتُ قبَّعـةَ الجَـوَى مسْتَسْلمـاً
كيـف السَّبيـل لدفعهـا وأَنـَا بَشَـر
أَحبَبْتُهـا .. والحـبُّ كبَّـلَ حيلتـي
من بَعـدِمَـا فتحَ المَغالقَ وانْتشـر
إيَّـاك لَـوْمي إن غـدوتُ كعـاشـقٍ
فالمـاءُ حينَ مَسيلهِ يُحيِي الْمَـدَر
قـالـت : أحبُّــكَ ياربيــعَ أنـوثتـي
فَأَنَا الرِّياضُ وأنتَ مَلْحَمـةُ الزَّهَـر
أنت الطبيبُ فقد شَفَيْتَ مواجدي
أنـت انتشـاءُ تلهُّفـي أنت الـوطـر
إنِّـي وأنتَ قصيـدةٌ .. قَـد لُحِّنَـتْ
أنت المحلِّـقُ عَـزفَهُ .. وَأَنَا الـوتـر
كم كنتُ أحلمُ باشتعال حـرائقي
فأنا الـوَقـودُ وأنت أغنيـة الشَّـرر
إيَّــاكَ تَتْـركُنـي فقـدْ نلـتُ المُنـَى
وعلى ضفائرِ حبِّنـا قلبي انْصهـر
قَدْ صرتَ نبضاً في الوريد وَجِيبُهُ
يامَـوْئلـي في رحلتـي أيـنَ المَفَـر
فأَجَبتُهـا ولسـانُ حـاليَ .. خـائـرٌ
ماعاد لي في العمر غيرَكِ مُسْتَقَر
منـك النعيـمُ أطـالُـهُ .. وَيَضُمُّنـي
أنتِ الأنيسُ لوحشتي انت السَّمَر
يازهـرةً .. فـوق الرمـاد .. تـألَّقَـت
فيك الحياةُ ستزدهي مثل الشجر
طغيـان حبُّــكِ قَـد أنـاخَ كهـولتي
ولكلِّ أعـرافِ الحَصَافـة قَد كَسـر
إنِّـي علـى أعتـابِ حبِّــكِ سـاجـدٌ
أرجـوكِ لا تُفْشي الحقيقةَ والخبَرْ
يـا فجــرَ أيَّـامـي ونــور بصيـرتي
لو ينطقُ الإحساسُ زَغْردَ أوْ شَكر
والَّلـهِ لـو يَبقـى غرامُـك في يـدي
أيقظتُ من وَلَهي شعـوراً للحجـر
إنِّـي المتيَّــم والمميَّـز ... عشقــه
هـلَّا سألـتِ الحبَّ عن هـذا الأثـر
وأنـا بمحـراب الوفـاءِ ... معـاهـدٌ
والعهـد عَمَّـدني .. بطهـرٍ وانتحـر
فَدَنَـتْ تــرومُ تمــاديـاً بـوصـالهــا
فتمنَّــع الشـوق المبــرِّح واعتــذر
وعَزَفْتُ عن شطط المجون مردداً
ماخاب مَنْ رضي المُقَـدَّرَ واعتبـر
وصحوت من نومي أهدهدخيبتي
لكنَّــهُ حُلُــمٌ ... بـذاكـرتي انْحَفَــر
تحيتي وتقديري
غياث عياش