هذه اللوحة – المنمنمة تعتبر أشهر لوحة في الهند. وهناك من يعتبرها علامة فارقة وأيقونة للفنّ الهندي في جميع العصور. وبعض النقاد يصفها بأنها "موناليزا الهندية".
وما يزال الفنانون الهنود إلى اليوم يرسمون نسخا منها، تماما مثلما كانت في زمانها مصدر إلهام للشعراء والفنانين.
المنمنمة رسمها فنان ظلّ اسمه مجهولا، وهي تصوّر امرأة اسمها "رادها" لكنها أصبحت تسمّى في ما بعد "باني ثاني" الذي يعني المرأة الأنيقة والذكيّة.
كانت المرأة خليلة ثمّ زوجة لأحد مهراجات ولاية راجيستان في القرن الثامن عشر. وكان المهراجا قد رآها أولّ الأمر في بيت زوجة والده فراعه جمالها وأعجب بأدبها وذكائها وما لبث أن وقع في حبّها بعد أن اكتشف أنها مثله تهوى الغناء والشعر والأدب.
وقد كتب زوجها الكثير من القصائد التي يمتدح فيها المرأة ويثني على أدبها وجمالها. كما كان جمالها مصدر افتتان للرجال والنساء في ذلك الزمان، واستلهم الفنانون في رسوماتهم ملامح وجهها في أعمالهم. بل لقد وصل الأمر ببعضهم أن استعار ملامحها ليضعها على وجه "كريشنا" كبير الآلهة الهندوسية.
ويبدو أن ملامح هذه المرأة تضاهي الأوصاف التي تتضمّنها قصائد الحبّ المكتوبة بالسنسكريتية والتي تصف جمال الأنثى بطريقة مثالية.
في اللوحة تبدو "رادها" بوجه طويل وحاجبين مقوّسين وعينين حالمتين وأنف حادّ مستطيل وشفتين رقيقتين. وهي هنا ترتدي الساري وتمسك بزهرة لوتس وقد ازدان فستانها البرّاق باللآليء والحجارة الثمينة.
اشتهرت المنمنمات الهندية بخاصّيتها الغنائية التي تبهج العقل والقلب، وبألوانها الجميلة المستمدّة من المعادن والحجارة الثمينة والذهب والفضّة.
ويعود تاريخ ظهور المنمنمات في الهند إلى بدايات القرن السادس عشر الميلادي. لكنها شهدت ازدهارا كبيرا في عصر أباطرة المغول المسلمين الذين مزجوا فيها بين الأساليب المحلية والفارسية.
وكان سلاطين المغول يحرصون على أن تعكس المنمنمات فخامة حياتهم وأمجادهم وانتصاراتهم الشخصية.
وعادة ما تعتمد مواضيع المنمنمات على ما ترويه المخطوطات القديمة وكتب الأدب الكلاسيكي البوذي والهندوسي. كما يعتمد البعض الآخر على مواضيع وأفكار مستوحاة من صميم الحياة اليومية كالحبّ والتسامح والتضحية.. إلى آخره.
والكثير من المنمنمات تضمّ صورا ورسومات لغزلان وحمام وأشجار وطواويس وجبال وأنهار وغيم وغيرها من صور الكائنات وعناصر الطبيعة.
يقال إن اللون الذهبي المستخدم في تزيين هذه المنمنمة مأخوذ من الذهب الخالص بعد إذابته. وفي هذا إشارة إلى سطوة الحبّ الذي كان يتملّك قلب المهراجا تجاه زوجته ونوعية الحياة المترفة التي كان يعيشها مهراجات الهنود في ذلك الوقت.
بالنسبة للزوجين العاشقين، تقول المصادر التاريخية أنهما عاشا حياة هانئة وسعيدة، وعندما أحسّا بتقدّم العمر انسحبا من الحياة العامّة وانزويا في قصرهما بعيدا عن الأنظار وتفرّغا لنظم الأشعار وأداء الأغاني التعبّدية والتراتيل الدينية.
المنمنمات الهندية ظلت تتمتّع دائما بجاذبية عالمية، وينظر إليها الكثيرون على أنها تمثّل الروح الحقيقية للحضارة الهندية.
ويوجد اليوم الكثير من هذه الأعمال في أشهر المتاحف العالمية ويباع بعضها في المزادات بأسعار باهظة وأحيانا خيالية.